في الطريق نحو المجمع العام الواحد والعشرين

راهبات المحبة للقديسة جان أنتيد توريه
في الطريق نحو المجمع العام الواحد والعشرين، ( إيلول – تشرين الأول 2021)
من بيت عنايا المعروفة (العليا) ……. الى بيت عنيا أخرى (السفلى)
يدعونا الرب اى النزول من القمة…
عزيزاتي الراهبات….
أعزائي أصدقاء جان انتيد…
في مجمعنا العام، هل تُفاجؤنا بيت عنيا أخرى ؟
بانتظار المجمع العام الذي ستحتفل به الرهبانية قريباً، يسمح لنا الرب أن نعرف، من خلال الإنجيل، وجود قريتين تحملان إسم ” بيت عنايا ” . الأولى تقع على رابية قريبة من أبواب أورشليم. ذُكرت ثماني مرات بالأناجيل الإزائية و ثلاث مرات عند يوحنا. والثانية لم تذكر إلاّ مرة واحدة في الفصل الأول من إنجيل يوحنا (28:1 ) ولمّح إليها في الفصل (10: 40 ).
سؤال يطرح نفسه… لربما، مسيرتنا نحو المجمع، تتطلب منا التوقف بعض الوقت في بيت عنيا الجديدة.
إن المؤتمر العام لسنة 2019 إتخذ آية إنجيل لوقا: ” ثم خرج بهم الى بيت عنيا “
(24: 50 آ) واليوم، نتخذها كركيزة تتجاوب تماماً مع مسيرتنا المجمعية وتحضرنا للاحتفال بها. في ذلك الوقت، رأينا في بيت عنيا وبيت مرتا أيقونة ملهِمة للمجمع وطريقاً نموذجياً للرهبانية على مدى الخمس السنوات القادمة: 2020-2025 .
إن حضور الرب في هذا البيت والصداقة وهموم مرتا وإصغاء مريم حثتنا جميعهاعلى اختيار هذا النص… القرية بحيويّتها ودينامكيتها…الألم… والعيد… موت العازر… ودموع يسوع… مشاركة أبناء القرية… إعلان إيمان مرتا… وقيامة لعازر بعد موته باربعة أيام… الإحتفال بعودة سمعان معافى من البرص …والنردين المدفوق على قدميّ المعلم…
إن البطاقات الست التي وردتنا في الملف المرسل في أيلول 2019 أنارت مسيرتنا. كما وقاد هذا الملف الجماعات والإجتماعات الاقليمية المحلية التي أُحتفل بها في كانون الأول 2019 وكانون الثاني 2020.
أتت جائحة كورونا وأوقفت كل شيء. فدخل العالم بأسره بحجر لا مثيل له من قبل. فبدا المستقبل ضبابياً وساد الخوف من الحاضر.
إن الملف الروحي بعنوان : ” كان هناك قرية… و أخرى أيضاً ” الذي أُرسل الى الجماعات بحزيران 2020، يحتوي على إرث من الأفكار والخبرات والإقتراحات. هدفة، قراءة بيت عنيا على ضوء الأحداث التي نعيشها بسبب جائحة كورونا. حينها، تبادرالى أذهاننا هذه الآية ” ثم خرج بهم الى بيت عنيا “. قرأناها بنبرة جديدة وبرؤية غير مسبوقة: ” ثم اقتادهم الى الواد الى بيت عنيا الاخرى “.
عزيزات الراهبات….
أعزائي أصدقاء جان أنتيد…
كنا قد وصلنا الى قمة الرابية غير أن الرب أرجعنا الى الضفة حيث تلتقي الصحراء مع النهر. هناك تنتظرنا بيت عنيا أخرى. نعم، تختلف عن الأولى غير أنهما متكاملتين.
هنا، في بيت عنيا الثانية ( السفلى ) يوجد ” شخص يدل على شخص آخر”، يوحنا المعمدان الذي نزل، هو أيضاً، من القمة الى ضفاف النهر، يدل على الرب يسوع.
القسم الأول
” دوتا ” بيت عنيا…
…. بيت عنيا التي على الرابية (العليا)
عندما أراد التلاميذ أن يتعلموا الصلاة، علمهم يسوع ” الأبانا ” لو: 11: 1-2 . لنتخيلهم يسألونه أيضاً، كيف نكون أصدقاء؟… إصطحبهم، ومن دون أي شك، الى بيت مرتا ومريم ولعازر. فالصداقة كالصلاة ليس لها تقنية معيّنة أو دينامكية خاصة، بل هي خبرة حياتيّة تتطلب منا بذل كل شيء : المشاعر، الأفكار والإرادة. فالحياة المسيحية هي قبل كل شيء، خبرة صداقة حول يسوع : ” فأينما اجتمع إثنين أو ثلاثة باسمي، كنت هناك بينهم ” متى: 18: 20 . الصداقة هي ” أبجدية الإنجيل “.
لو: 10: 38-42
يو: 11: 1- 46
يو: 12: 1-11
1 – إذا أردت أن تتعلم كيف تُحب، إذهب الى بيت عنيا العليا
*الى قرية الخيام والحجاج *
1- كان يسوع يحب كثيراً، مرتا ومريم ولعازر 🙁 يو: 12: 5 ) كما أحبوه هم أيضاً. كانوا دوماً حاضرين في حياته وبخاصة في وقت التعب والحاجة والمحنة. اله إنسانيّ للغاية ! يبحث عن رفقة وتقارب وحضور. ليمجدك مَن يصغي اليك، لأنه ” اختار النصيب الأفضل ” ولن ينزعه أحد منه ( لو: 10 : 42 ) .
2- غالباً ما كان يسوع يذهب الى بيت عنيا. وخاصة، في الأوقات الأخيرة، عندما كانت أيامه في غاية الصعوبة في أورشليم؛ وكان المسؤولون يفتشون كيف يقتلونه. كان يذهب في أية ساعة من النهار والأفضلية كانت عند غروب الشمس الذي يضفي على المدينة المقدسة جمالاً دافئاً ومحبباً. يغلفها لون المساء الزهري فيزيدها جمالاً يتمنى أي مصور التقاط بطاقة رائعة لهذا المنظر الخلاب !
3 – نحب أن نتخيل يسوع القريب من جبل الزيتون، وهو يتفحص عن بُعد هذه الصخرة التي يتمنى كل إسرائلي متديّن أن يلمسها ولو مرة في حياته. كان يرمق المدينة بنظرة عطف وقلب حزين ” أورشليم… أورشليم ! يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين اليها. كم مرة أردت أن أجمع أبناءك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها “
(متى: 23: 37 ). بكى عليها بدموع غزيرة : ( لو: 19: 41 ) فالبكاء ليس عيباً وخاصة عندما تكون محاطاً بأصدقاء رأوا سابقاً دموعك : ( يو: 11: 35 ) وانت رأيت دموعهم : ( يو: 1:33 ).
4 – مَن يَدري كم من مرة وقف معه لعازر ومرتا ومريم ليتأملوا هذه الصخرة التي فيها الهيكل والشريعة وتاريخهم؟ هذه الأرض التي طالما تمناها أباؤهم عندما عاشوا النفي والسبي وآلام البعد عنها. وفي يوم من الأيام عادوا اليها ليجدوها، ولسوء الحظ، محتلة. فلهذا السبب وليضيق المساحة نصبوا الخيام. ولكي لا ينسوا أجدادهم الذين كانوا آراميين رحّل. وبالرغم من إنتقالهم من حياة الترّحال الى حياة الحضر، فإن ذكرى الخيمة بقي مطبوعاً في ذاكرتهم وقلوبهم، كدعوة الى الإرتحال والحج الدئم.
نرى أن في ضواحي هذه الصخرة المحبوبة : ( يو: 11 :18) وبالقرب من جبل الزيتون لو: ( 19: 29 ) ولادة قرى الواحدة تلو الأخرى: بيت عنيا، بيت فاجي وبيت لحم…قرى خيام للاجئين والحجاج. قرى على الطريق التي تقود من الواد الى الرابية، من أريحا الى أورشليم. قرى ضيافة مفتوحة أمامام المسافرين حيث يجدوا ما يطفء عطشهم ويشبع جوعهم قبل الصعود الى هيكل الله المقدس.
5 – وبالرغم من أن أورشليم تقتل أنبياءها، فإن أبناءها الذين عادوا اليها، يواصلون حبهم لها، يعيّدون لها ويتأملونها : ” إن نسيتك يا أورشليم فلتنسني يميني. ليلتصق لساني بحنكي إن كنت لا أذكرك، إن كنت لا أُعلي أورشليم على ذروة فرحي ” مز : ( 136 : 5 – 6 ). نستنتج بأن هؤلاء الأخوة الثلاثة الذين ولدوا في بيت عنيا، هم ورثة هذا التاريخ كما يسوع ” حاخام ” الناصرة، المولود في بيت لحم القريبة من بيت عنيا .
1 – تبقى بيت عنيا دائماً قرية الخيام والحجاج.
ألا تحتاج مجتمعاتنا اليوم أن ترجع الى ذكرى الخيمة والى روحانية الحاج؟
2 – يأتمن البابا فرنسيس العالم وبخاصة المسيحيين على رسالة ” البيئة الكاملة ” ( كن مسبحاً… الفصل 4 : 137-162 )
لنحاول التعبير عن ” توجه حياتّي ” نريد أن نتخذه ونلتزم به للسنوات القادمة:
- كرهبانية لنشترك بخلاص كوكبنا، الذي يأتمنا عليه الرب في بيت الخلق الكبير.
2 – علمنا يارب أن كون أصدقاء
” عنما تكون الصداقة لها وجه مرتا، مريم ولعازر “
مرتا، الصديقة الخادمة
مرتا، صديقة الساعة الأولى، هي أول إمرأة تتجرأ على فتح باب بيتها : ( لو: 38:10 ) في ذلك الزمن، حيث كان للرجل وحده صلاحية القيام بهذه المهمة. كانت مريم محرجة، منهمكة ومرتبكة. غير أن كل إهتماماتها كانت من أجل المعلم لكي يشعر أنه في بيته : ( لو: 10: 40 ) وهكذا بقيت الحال مستمرة؛ بالرغم من الخطورة المحتمة على حياة المضيف لهذا الصديق، يسوع. فالشريعة واضحة، وإستضافة محكوم عليه كانت مخاطرة كبيرة:
( يو: 11: 53-57 ).
أليست الوليمة العلنية التي اُقيمت ستة أيام قبل الفصح برهان حب : ( يو: 12: 1-11 ) ؟
” ما من حب أعظم من هذا: أن يضحي الإنسان بنفسه في سبيل أحبائه ” (يو: 15: 13 ). هذا ما علمه يسوع لتلاميذه في العشاء الآخير معهم. ولقد فهمت مرتا، بأن الصديق الذي يخدم المعلم : (يو: 12: 1 – 2 ) يتجرأ على تحدي الهيكل والشريعة، مع ” جماعته ” الصغيرة: لعازر ومريم.
- ليس من المهم أن يبدأ كل شيء بالعتاب : ” مرتا، مرتا، إنك منهمكة بأمور كثيرة ” ( لو: 10: 41 ) إنها كلمات شديدة اللهجة غير أنها تعبر عن الحقيقة. لم يردعها يسوع بسبب نشاطها بل لانهماكها المفرط. الصديق لا يخون والصداقة ليست وهم. لذا، هي أيضاً، عندما تسمح لها الفرصة لم تتردد بأن تعاتبه، كصديقة، بحرية وصراحة : ” لو كنت هنا يا سيدي ما مات أخي ! ” ( يو: 11: 21 ).
- حتى ولو نُعتت مرتا ” بإمرأة العمل ” غير أنها نطقت بأجمل ” كلمات الإيمان ” وأعمقها. كلمات لم يلفظها أحد من قبل: ” نعم يا سيد. أنا أومن كل الإيمان بأنك أنت المسيح ابن الله الآتي الى العالم “.( آية: 27 ) جواب حب على سؤال حب : ( آية: 25 ) ” أنا هو القيامة والحياة ” أتومنين بهذا ؟ الصداقة تؤمن قبل أن ترى وقلب إمرأة صديقة، يعرف كيف يُعلن ويعترف ” بقانون ” حبه !
- مرتا، تصبح مرتا، عندما تخرج للقاء الرب ( يو: 11: 20 ) الذي وجدته في قلب ألمها. وما همها إذا انتظرته أربعة أيام التي كانت كافية لموت ودفن وانحلال جسد أخيها في قبره : ( يو: 11: 39 ).
في بعض الأحيان، يحب الله أن يتأخر. وبعض المرات، كثيراً! غير أن الحب لا ينتظر بل يصل على الموعد لأنه لا يقاس بالوقت بل بذاته. الحب يكفي للحب.
- لا خلاف بالقول أن كل شيء إبتدأ في يوم ” الخدمات الكثيرة ” في البيت بين القدور والهموم. ظننا بأن بابك إنفتح لشخص ناكر للجميل، ثم بدا لنا بأنه كان يناديك: ” مرتا… مرتا ” نداء وليس تذكير. مثل إبراهيم الخليل، موسى، صموئيل وشاول. أردت عمل الكثير لأجله، غير أن الحب ليس واجباً، ولا استحقاقاً. إنه لا يُشترى بل يُستقبَل ويُعطى لأنه مجاني. أخذتموه مجاناً أعطوه مجاناً : ( متى: 10 : 8 ).
- هكذا أصبح هذا النداء كاسيقاظ لك يا مرتا. أنت لست الخدمات التي تقومين بها، أنت قيمة أكبر.أنت الحب الذي يُعطي ذاته. إنها أعجوبة الأعاجيب ! يغيب القلق ويحل مكانه الإندهاش والإنتظار. خرجت للقاء الرب فالتقيت بذاتك. لقد قمت قبل أخيك لعازر. وجواب إيمانك ما كان إلاّ فعل حب للذي قرع بابك ففتحتيه له.
- إن حب الرب لنا كان وافراً في قلبنا بدون أن ندفع ثمناً : ( رو : 5:5 ). لقد دفع الأبن عنا كل شيء. إذاً، لا الجهد ولا الإستحقاق هما يقرباننا منه بل محبته لنا. فالله محبة. وحين تتكتشفين بأنه يحبك، ماذا ستفعلين؟ تردّين على هذا الحب بأعمال محبة. أن نُحب يعني أن نخدم.
- بحياتك كلها ستُخبرين عن حب الله بأفضل عمل تقومين به : الخدمة. ليس فقط خدمة صديقة لصديقها يسوع إنما للجميع: لأخيك وأختك وقريتك… وأيضاً يهوذا، هذا الضيف الثقيل، المستعد دائماً على إلقاء الدروس والمواعظ،. لجماعة الفرسيين الحاضرين المدفوعين بفضولهم أو لربما بتجسسهم: ( يو: 12: 1-11 ).
- سامرية، كما ربك لأن الحب خدمة ” خدمة من دون جزاء ” : ( لو: 17: 10 ) من دون فائدة ولا مكافأة ولا ثواب. هذه هي خدمة مَن يُحب حتى بذل الذات عند الضرورة. أن نخدم يعني أن نعطي ” أكثر ” :
- ( لو: 10: 35 ).
- لقد دخل الحب الى حياتك يا مرتا. قرع بابك ووقف على طريق ألمك. كلمك وأصغيت اليه.عندما يكون الحب خدمة، يكون أيضاً إصغاء.
مريم، الصديقة المصغية
وما عسانا أن نقول عن اختها مريم؟ المرأة التي تجرأت أن تتخطى العادات والتقاليد وتجلس عند أقدام المعلم لتصغي الى كلامه. فالجلوس كان منوطاً بالرسول الرجل. لأن الرجال لهم وحدهم حق الجلوس. أما المرأة فتبقى واقفة. دخل المعلم لأول مرة الى بيتها فما كان منها إلاّ أن ” جلست عند أقدامه “. وصل الصديق ولم تعد تعي ما هو المُلح وما هوالمسموح ” الخدمات الكثيرة ” التي استحوذت على أختها. أو المهم والضروري: الإصغاء، الذي هو ” النصيب الأفضل ” والخبرة المجانية القويّة في العلاقات. الإصغاء يعني : ” الإستقبال، الضيافة وإعطاء الصديق مكاناً “. كما تحتضن الأرض البذور وتستقبل العروس عريسها وتحتضن أحشاء المرأة طفلها.
- أفسحت مريم مجالاً لسماع الكلمة. لا شيء يُلهيها : لا متطلبات المائدة ولا إستعجال الطهي ولا قلق أختها. ” لا يحيا الإنسان من الخبز فقط “. فإن الكلام الذي يخرج من فم المعلم هو أهم بكثير من عجن الدقيق أو خبزه. وبالرغم من الضجة والقلق والإرتباك وكل ما يحيط بها، تعلمت مريم ” الطاعة للإصغاء “. مثل شعب إسرائيل: تثنية: ( 6: 3-5 ) وخر:( 24 : 7 )
- باستطاعتنا فعل الكثير للآخر. غير أن الإصغاء اليه ” هو الشيء الأكثر سمواً في الوجود. كأنك تحمل الآخر في أحشائك، وكأنه يتغلغل فيك “. عندئذ يصبح الصمت أحشاء للإصغاء. لأن الإصغاء يشبه الولادة قليلاً. ليس بالصدفة أن تكون أحشاء المرأة هي المكان الأكثر صمتاً الذي إبتدعته الخليقة. لم تتفوه مريم بأية كلمة وكأنها أحشاء احتضنت الكلمة في داخلها. أجابهم يسوع : ” أمي هي التي تسمع كلامي ” ( لو: 8: 21 ) .
- مربم، تذكرنا بمريم الناصرة ” مختارة الله ” التي بعمل الروح القدس ولدت الكلمة وأعطتها جسداً:
( يو: 1-14) وغلا: ( 4: 4) وهي كأم وتلميذة، تحفظ الكلمة وتتأملها وتسترجعها لأنها كلمة الإبن: ( لو: 2: 52 ب )
اليوم، وهنا في بيت عنيا، نرى كما قديماً في الناصرة وغداً على جبل الطابور، الآب بذاته يُعلن لمريم كما للرسل الثلاثة: ” هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا ” .
- تمنت مريم لو أن الزمن يتوقف، لتبني خيمة في هذا ” الطابور ” الصغير، قلبها، فيكون يسوع لها وحدها والى الأبد. مريم هي إمرأة الإصغاء والتعمق. الله الذي صار الكلمة والماثل أمامها، جعل من نفسه هو أيضاً، رجل إصغاء وإنما لكلمات اخرى قيلت هناك حيث يلتقي النهر مع الصحراء: ” نظرت الى معاناة شعبي وسمعت صراخهم ” ( خر: 3 : 7 ) .
- ربما ياتي اليوم الذي به تفهم مريم أن الإصغاء للكلمة باستطاعته أن يكون خارج الغمامة التي غطت قلبها عند أقدام المعلم. أن يكون على الطريق أو في المرض أو عند الموت أو الألم . المعلم هنا يناديها :
( يو: 11: 28 ) والحب يتكلم أيضاً بلغة الدموع.
- لذا، وحده الذي لا يحب يظن أن الحب هو هدر : ( يو: 12: 5 ). أما مريم كأختها تعرف بأن الحب يكفي نفسه بنفسه. شهادتها، هذا الناردين الثمين، النادر والوافر الذي ستسكبه على أقدام الصديق. عمل حب لم تجرأ إمرأة قط على فعله. إنها خاطرت بحياتها وقامت به. هو استباق لعمل صديقها عندما سينحني ليغسل أرجل أصدقاء أُخرين : ( يو: 13: 5 ). غسلت الأرجل لتدل على الحب. الصداقة حب والحب خدمة.
لعازر، الصديق الغائب – الحاضر
- ولعازر؟ رجل البيت، اليه وحده ترجع مسؤولية ” تنظيم الإستقبال ” بحسب الشريعة. هو الصديق المتغيّب والحاضر في آن واحد. هو الذي مات وأرجع يسوع له الحياة لأن الذي يحب يعطي الحياة. والآن يستطيع لعازرأن يشهد بدوره أمام الجميع، أننا نستطيع أن نموت في سبيل مَن نُحب. هذا هو الجميل الذي يرده لصديقه أمام الحضور.
- لا نعرف إذا ما قُتل لعازر فيما بعد أم لا. لا تخبرنا الأناجيل عن شيء من هذا القبيل. لكن ندرك أنه عندما نحب لاينتصر الموت بل الصداقة. التحديات لا تولّد الحياة، الحياة تولدها الصداقة. والصداقة لها ثمنها، مثلما للحياة ثمنها أيضاً.
- كان لعازر استباقاً للمعمدان : ” له هو أن يزيد، ولي أن أنقص ” ( يو: 3 : 30) صديق للعريس هو أيضاَ. إنه حاضر- غائب وحضوره خفيّ ورصين.
اليوم، العودة الى بيت عنيا
1 –كما هي الحال في بيت عنيا، هكذا الحال في جماعاتنا. هناك الراهبة التي تُشبه مرتا، تحقق ذاتها بالعمل والنشاط ” وهي دائما في المقدمة “. وأخرى مثل مريم باطنية، متأملة وهادئة. والثالثة تشبه لعازر. غائبة قليلاً وكأنها تعيش بالخفاء. قد يكون هذا طبعها أو أنها اختارت نمط الحياة هذا. بالوقت ذاته، تشبه كل واحدة منا مرتا، مريم ولعازر. مثل مرتا، لديها كفاءة واستعداد للعمل ولكن، إذا ما زادت هذه الكفاءة عن حدها تصبح إنشغالاً مفرطاً. ومثلها مريم بباطنيتها التي إذا تجاوزت المعقول، تحولت الى حميمية منفردة. أوكلعازر، تتنحى جانباً وهذا التنحي يصبح غياباً.
2 – مريم التي تُعطي كل ذاتها لاستقبال المعلم، تذكرنا بأننا مدعوون الى تحقيق تطويبة الضيافة والإستقبال، الوجه الحقيقي للحب وعمل الخدمة.
تعلمنا مريم أن اللقاء بالمعلم هو للإصغاء دائماً. وإذا لم يُفتح هذا الإصغاء على الآخرين، يبقى عقيماً وغير مقنع.
يذكرنا لعازر بأن ” الإصغاء والخدمة ” هما بحاجة للصمت في بعض الأحيان وللحياد أحياناً أخرى.
3 – إن بيت عنيا التي على الجبل تذكرنا بضرورة الجلوس مطولاً عند أقدام المعلم مثل مريم. لأن بالصلاة والتأمل نتعمق ونتعلم قيمة الصمت وهما أساس عملنا وقوته الروحية.
إنه من الضروري أن نصغي للكلمة شخصياً وفي الجماعة كي لا نقلّص محبتنا الفاعلة ونحولها الى منفعة عقيمة. كما أن إيماننا هو بحاجة لعمل مرتا وحيويتها وليس لقلقها، كي لا نبني لنا عالماً باطنياً يكون مرجعاً ذاتي فارغ.
4 – يقول هرمس روشي: ” في داخلي، تُمسك الأختان بأيد بعضهما البعض. فأعبر معهما من اله الواجب الى اله الإندهاش “. تذكرنا بيت عنيا بكل هذه الحقائق وبأكثر منها !
3 – الجماعة: بيت عنيا الصغيرة
*عندما يجتمع إثنان أو أكثر…*
كل إختبار صداقة هو عطية حب. وكل جماعة مدعوة أن تكون بيت عنيا الصغير: أن تكون مكاناً روحياً تكبر فيه الصداقة وتُشفى الجراح. مكان إنسانيّ، يدخل اليه كل مَن قرع بابه ويخرج منه كل مَن معه مفتاحه. هو بيت القرية المفتوح على الطريق. بيت أصدقاء. بيت خدمة وإصغاء. بيت ضيافة: لأن الذي لا يمتلك شيئاً يَستقبل والذي عنده القليل يشارك به. والذي يمتلك كل شيء يُعطي ما لديه. بيت ثابت وإنما ” جاهز للترحال ” لأن مَن يسكنه يدرك أنه دائم المسير. يأتيه مسافر ويغادره آخر بقلب وذهنية الحاج. ومَن دخل هذا البيت علم أنه وصل الى مكان راحة، فكسرة الخبز التي يحتفظ لنفسه بها في جعبته بكل إعتناء، تُغني المائدة عند المشاركة بها. بيت الأصدقاء يجمعهم الصديق الأوحد يسوع. بيت يُعطي، وماذا يُعطي؟ الخبز والخدمة والمجانية. هناك أغنية من أميركا اللآتينة تساعدنا على الدخول في خبرة قوية، حميمية وعميقة لبيت عنيا، حيث الصديق، يسوع المسيح يأتي ليشاركنا التعب والجراح والأحلام والإنتظارات والفشل والخوف والرجاء والنجاح، يشاركنا بكل ما يخص حياتنا.
Vamos a Betania la vida, casa del Amigo, para el corazon.
Vamos a Betania a sanar heridas, y aseguir camino dsde el corazon de Dios »
نحفظ…
رأينا كيف كان المسيح صديقاً، فلنساله أن : ” يعلمنا كيف نكون أصدقاء ” وكيف نكسر لنصلح في مخيلتنا صورة الخلط بين الصداقة والمجموعة، بين التعايش والتجمع.
أن نكون قريبين من شخص ما، لا يعني أنه صديقنا. ولا أي رباط قانوني في مؤسسة أو نشاط أو جماعة يدل تلقائياً بأننا أصدقاء. لا علاقة للصداقة بأشكال تواجدنا معاً، بل هي إختيار داخلي يقوم به المرء. (من دون الصداقة لا نفهم الإنجيل).
قبل أن تكون بيت عنيا، بيت الأخوة، هي جماعة أصدقاء… حيث الصداقة فيه لا إفتتاناً وإغتباطاً بل إنتصاراً؛ والحياة لم تكن فرحاً بل موتاً على الذات. كل واحد من الأخوة الثلاثة يخسر شيئاً من ذاته ليربح الآخر. الأصدقاء هم كذلك، عندما تفوح رائحة عطر الصداقة فإنها تملأ البيت والجماعة وتنتشر خارجاً لأنها لا تعرف الحدود.
إذا قال أحد الأصدقاء : أنا صديق الله وهذا يكفيني، هو كاذب ” إن الذي لا يُحب أخاه الذي يراه، لا يستطيع أن يحب الله الذي لا يراه ” (يو: 1: 5: 20 ).
إن النتيجة الأهم لإيماننا هي العلاقات. فإذا غيّر إيماننا علاقاتنا، عندئذ نكون قد إلتقينا بالله. فعلاقاتنا توضح لنا أين نحن من الله. لم يغيّر يسوع حياة مريم ومرتا ولعازر بل غيّر حياة البيت. عندما تكبر الصداقة بيني وبين الله، تتغير أيضاً علاقتي مع الآخرين.
1 – في بيت عنايا الثلاثة مختلفين غير أنهم متحدين.
2 – ونحن أيضاً باختيارنا وبكاريزما الرهبانية نؤلف جماعات، تجتمع حول المسيح بمحدودياتنا وغنانا أيضاً.
إن الحياة الأخويّة في الجماعة هي علامة نبويّة. هل نحن مقتنعين بهذا؟… لماذا؟
4 – الإصغاء : ” النصيب الأفضل “
* الخدمة الأولى هي الإصغاء *
أهناك شيء جوهري أكثر من الإصغاء لكلمة الله؟ يسوع يمدح مريم ويقول بأنها اختارت ” النصيب الأفضل ” ولم يقل ” النصيب الأحسن والأجود ” كما اعتدنا ترجمتها؛ وكأن يسوع يريد أن يقارن بين الأختين؛ وكأن الإصغاء هو أهم من الخدمة. فبعض الروحانيات القديمة كانت تعتقد أن بين مريم ومرتا عالمين متناقضين: الحياة الفاعلة والحياة التأملية. وأن الثانية تفوق الأولى.
لا يخبر الإنجيل عن هذا الإنقسام، بل يقول لنا ببساطة، أن أول خدمة نسديها لله هي الإصغاء ليس له وحده بل للأخوة أيضاً. لنعطي الوقت والقلب لله وللآخرين. فمن الإصغاء تولد علاقات وحدس وحلم وخدمة… نصغي لله، نصغي للبشرية. نصغي أيضاً للخليقة ” ولعلامات الأزمنة “. ومثلما الجمال يخلّص العالم، هكذا الإصغاء. وللإصغاء شرط واحد : هو الصمت.
للحفظ
بالصمت والإصغاء نقف أمام ذواتنا. نجابه كل ما في داخلنا ولم نجرؤ على مواجهة حياتنا اليوميّة وأعمالنا تجذبنا دوماً الى خارج ذواتنا. لنقلل من الضجيج الخارجي والداخلي أيضاً ونصغي. لأن الإصغاء يبرز فينا العالم الباطني ويجلب جمالاً باهراً يشبه جمال السماء المرصعة بالنجوم. لا ننسى أن هذه السماء المرصعة هي أيضاً مندمجة باليل. إذاً هناك خبرة الظلمة وليس فقط إشراق الكواكب. نرى أن الإصغاء لله لا يرتكز فقط على النجوم التي بواسطتها نهتدي الى الطريق لاتباعها، بل هو تحالف مع الظلمة التي في داخلنا، بكل ما تخبىء من أسئلة وقلق ورغبات وانتظارات ومشاكل لا تُحل. فالشخص هو مزيج من ظلمة نور. لقد ملأ الرب قلبنا بالنجوم فلا نخاف الظلمة.
لا نخاف من الصمت الذي يسمح لنا بالدخول في صلاة وبمعركة فعلية مع التجربة التي تحوم حولنا في هذه الأثناء. عادة، يدخل المرء بخلوة روحية وصلاة مفتشاً عن أجوبة لتساؤلاته. غير أن ما يهم الروح القدس في هذه الحال هو أولاً وأخراً، فهمنا للأسئلة بحد ذاتها. بالصلاة والصمت الروح يوضّحها. الأسئلة مؤلمة عندما تكون غامضة وغير مفهومة. وغموضها هو سبب عدم فهمها.
1 – الإصغاء للكلمة يميّز حياتنا الشخصية وحياة الجماعة.
2 – نجد هذا الإصغاء في العلاقات المتبادلة بين الأشخاص.
3 – هناك العديد من أماكن الإصغاء والعديد من أشكاله.
يوجد إصغاء لعلامات الأزمنة التي تحثنا عليها موهبة الرهبانية…
اليوم، نحن راهبات المحبة، الى أي ” علامات ” علينا أن نصغي ؟
5 – خدمة… إصغاء… حضور…
“عندما تكون الصلاة خدمة، والخدمة محبة، والمحبة حضور “
الصلاة الحقيقية تقود نحو الأخوّة. وهكذا المحبة تبقى عقيمة إن لم تبدأ بالتأمل وتنتهي به. صلاة فاعلة وأفعال مصلّية. وهبة متجذرة بالتاريخ كهبتنا، تحتاج الى السكينة الداخلية والتأمل. هذا ما كانت تقوله جان أنتيد: ” وفي الوقت ذاته الذي كنت أنشىء فيه بناتي على الحياة العملية، كنت أنشئهن ايضاً على الحياة التأملية لمساندة وتقديس الحياة العملية “.
للحفظ
إن بيت عنيا التي على الجبل تذكرنا بأن الصلاة والعمل هما طريقان ترتكز عليهما حياتنا المكرسة. ننتبه كي لا نهمل طريقاً منهما. وبخاصة في عصرنا هذا حيث يبدو كل شيء غامضاً، بخاريّاً وبتغير دائم وسريع، من دون أية ضمانة على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي والنفسي ولا حتى الأخلاقي.
بالحقيقة، هذا هو زمننا. زمن جميل ومعقد. فإن جميع المواهب في الكنيسة مدعوة لتجد نقاطاً ثابتة وآفاقاً واضحة وبالأخص ” إتحاداً حياتياً صادقاً “.
نعم، علينا أن نكتشف من جديد غنى وقيمة الحوار الداخلي مع الله بالصلاة المطوّلة وبتأمل كلمته.
وبالوقت عينه، (كما يقول أحدهم ) نتابع حراسة ” مراكزالمحبة الأمامية ” وحدود الإستقبال وأسافل البؤس والموت. حضورنا يكون مخفيّ وشهادتنا صامتة وخدمتنا بعيدة عن الضجيج. (لعازر ينورنا في هذا).
إن المواهب في الرهبانيات هي بذور خدمة نثرت على مرّ العصور. من إختلافها يولد الحوار: الجبل والطريق… الصمت والضجيج.
هذه هي طريقنا. إنها بسيطة ولكن ليست بسهلة في مجتمعاتنا المتنافسة والخائفة والهشة والمرتبكة؛ والتي لا تتوانى في ترك الضعيف والبطيء وراءها متجاهلة ” بأننا في نفس المركب “. لا أحد يخلّص لوحده ولا يستطيع أن يُخلص أخراً. بوحدتنا فقط، نستطيع أن نخلص جميعاً. وخير دليل على ذلك، جرثومة الكوفيد!
هذا هو تحدي عصرنا لحياتنا المكرسة. فمن خبرة بيت عنيا نكتشف مجدداً جمال الإصغاء وسحر الخدمة. حضور لنا في العالم، بالرغم من ” شبه غيابنا ” مثل، لعازر الذي بالرغم من صمته، هو حاضر، هو الذي أعاده يسوع الى الحياة.
يحتاج العالم الى ” بيت عنيا ” حيث تمتزج الصداقة مع الأخوّة. وكم تحتاج الأخوّة الشاملة لهذين العنصرين، هذه الأخوّة التي بها يحلم الله للبشرية: ” كلنا إخوة ” ! لقد صلى يسوع وأعطى حياته لتولد هذه الأخوّة بين البشر ولكي يكونوا واحداً. ولتتحقق هذه الأمنية علينا الإنطلاق من إخوتنا المهمشين، صغار هذا العالم ومنبوذيه.
يقول البابا فرنسيس: ” إذا تحتم الأمر للإعادة من جديد، ستكون دائماً إنطلاقاً من صغار هذا العالم “
مثل يسوع الذي قبل موته جعل نفسه واحداً منهم: ” أخلى ذاته آخذاً صورة العبد “. ( فلي: 2: 7 ).
أصدقاء ليسوع وإخوة بعضنا لبعض هي دعوة البشرية، والحياة المكرسة هي إستباق لهذه الحقيقة المتجسدة في مواهبها وفي موهبتنا أيضاً