عيد الحياة المكرسة في 2 شباط (فبراير)

الدّعوة في الحياة المكرسة 

كي نفهم معنى الدّعوة، من المهمّ أن نتذكّر بأنّنا نتلقّى حياتنا من الآخر، من الله الذي يدعونا للحياة ويمنحها لنا من خلال والدينا. ؛ فحياتنا تأتي من الله وتعود إليه. لقد خلقنا الله بطريقة فريدة وخصّ كلّ واحدٍ منّا بدعوةٍ خاصّة ومميّزة تضعنا بعلاقة مع الآخرين. دعوتنا إذاً لها بُعدٌ جماعيّ كنسيّ ولا شكّ أنّ  الكنيسة هي أمّ الدّعوات لأنّ الدّعوة تنمو ضمن كنف العائلة والرّعية.  أمّا دعوتنا الأولى فهي الدّعوة إلى الحياة.

ليست الدعوة بمفهوم أو مبدأ إنّما هي طريق حياة للذّات وللآخرين. حياتنا بحدّ ذاتها دعوة: دعوة لنكون، دعوة لنعيش وننمو ونحبّ ونخدم، هي دعوة للعيش ونحبّ المسيح ابن الله الحيّ. والدّعوة للتكرّس للّه تنبع من الشّغف بالمسيح والبشريّة وبالأخصّ البشريّة المجروحة. محور الدّعوة وجوهرها هو شخص يسوع المسيح ، تكمن قوّتها في الاتباع ليسوع المسيح ومن ثمارها السعادة للذات وللآخرين.

وجهان من وجوه الإنجيل، شخصان طاعنان في السّنّ، ذات خبرة ومعرفة بالطريق الذي يقود إلى قلب يسوع هما مثال لنا في التكرّس: سمعان الشّيخ و حنّه.  عند رؤيته طفلاً صغيراً ضعيفاً ، قال سمعان الشيخ: "قد رأت عيناي خلاصك".  بنعمة الروح القدس استطاع سمعان الشّيخ  أن يرى في هذا الطفل الضعيف الخلاص. حمله على ذراعيه وأدرك بالإيمان أن الله حقق فيه وعوده. لقد رأى نعمة أثمن من  الحياة ولم يعد ينتظر شيئاً آخر فانطلق بسلام. ونرى حنه حين رأت يسوع مجّدت الله وأعلنت مجده لكلّ إنسان وضعه الله في طريقه.

 فالمكرّس قد رأى الكنز الذي يفوق ثمنه كلّ غنى ومن أجله ترك كل شيء. لماذا فعل ذلك ؟ لأنه وقع في حب يسوع ورأى فيه كل شيء. جذبته نظرته ، فترك كل شيء.

هذه هي الحياة المكرسة: هبة ثمينة تُعطى لنا،  نعمة من الله وفيضٌ من حبّه والمكرّس يستقبل هذه الهبة بأذرع مفتوحة.

 فجوهر الحياة المكرّسة يكون في  العيش مع يسوع  والبقاء معه والمكرّس يجسّد حقيقة ” العطاء الكليّ للمسيح. " الحياة عندي هي المسيح" ( فيلبي 21:1) فيختار المكرّس الله حصرا” علماً  أنّ التكرّس هو موهبة خاصّة بالمكرّس ولكنّها ليست لشخصه فقط بل لخير الكنيسة وبنيانها.

هذه الحقيقة لا تتحقق في لحظة الاستجابة للدعوة ، بل هي مسيرة حياة تتطلب الكثير من الجهود ، لأنها عمليّة خلق جديدة ، يتعلّم فيها المكرّس أن يصغر هو ليكبر يسوع ، كما أنّ ربنا يسوع تخلّى عن مشروعه الشخصيّ وأعطى فكره وقلبه وعقله وذهنه وقوّته لأجل مشروع أبيه الخلاصيّ. واختار أسلوب حياة يجعل تحقيق هذا الحبّ الالهيّ واقعاً.  حبّ الله تملّك يسوع كليّاً”  فصار الله كلّ شيء في حياته ، وتجاوز كلّ ما هو شخصيّ من أجل مشروع أبيه لخلاص البشريّة.

السؤال الذي يجب أن يكون محفّزاً لحياة كل مكرّس : ما هي قضيتي اليوم؟

قضيّتي هي الشهادة ليسوع المسيح وإعلان أنّ الله ليس إلّا محبّة ... فمن خلال أسلوب حياته وعيشه الإنجيل واندهاشه  يعلن أنّ يسوع المسيح هو المخلّص. بإصغائه المتواضع والصبور لهموم الآخرين  وقربه الودود والصادق منهم يعيش دعوته وينقل فرح اللقاء  بيسوع للآخرين ويشركهم بهذا الفرح.  

الحياة مع ولأجل المسيح لا ينحصربشهادة فردية وإنما عبر أخوة يعيشون ما تعلنونه ويتمتعون به .

نوجه صلاتنا بثقة الى العذراء مريم لكي يتمكن المكرسون والمكرسات من أن يشهدوا لحياة متجلية ويسيروا بفرح مع جميع الأخوة والأخوات ، نحو النور الذي لا يعرف الغروب ، وأن تعطينا على مثالها ومثال يوسف أن نحمل يسوع لكل شخص نلتقي به ونكون في اندهاش أمام عمل الله في حياة كل انسان.

نصلي معاً من أجل كل من يدعوهم الرب لاتباعه حتى يمنحهم النعمة والجرأة لكي يلبوا دعوته لهم.

الأخت ميري اسطفانوس

الرئيسة الاقليمية